و على الله فليتوكل المؤمنون
التوكل صفه من صفات الإيمان ، قال تعالى : (
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ) ، و قال تعالى :( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربهم يتوكلون )
فالتوكل عباده من كمال الإيمان يتبعها صبر و رضا وشكر فهى البدايه لكل هذه المعانى الإيمانيه الجميله و التى نفتقدها فى عصرنا هذا و التى لو وجدت لوجدت الراحه والسعاده .
لا نستطيع أن نتوكل على الله و هو القائل :(
و فى السماء رزقكم و ما توعدون و إنه لحق لو تعلمون عظيم ) ، فالإنسان عندما يولد ينطلق سهمان فى السماء سهم الرزق و سهم الأجل لا ينقطع أحدهما قبل الأخر
لا نستطيع أن نتوكل على الله و هو القائل : (
له معقبات من بين يديه و من خلفه يحفظونه من أمر الله ) ، أى يوكل الله ملائكه ليحفظوا الإنسان بأمر الله حتى يحين أجله .
إذا كنا لا نستطيع التوكل على الله وهو الوكيل ، فلنقرأ قصة السيده هاجر زوجة سيدنا إبراهيم و نرى أروع معانى التوكل التى تجسدت فى السيده هاجر حين ولدت سيدنا إسماعيل فاشتدت غيرة السيده ساره منها و طلبت من سيدنا إبراهيم أن يغيب وجهها عنها فذهب بها و بولدها حتى وضعهما حيث مكه اليوم و كان ولدها إذ ذاك رضيعا" فلما تركهما هناك و ولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر و تعلقت بثيابه و قالت : يا إبراهيم أين تذهب و تدعنا هاهنا و ليس معنا ما يكفينا ؟! ، فلم يجيبها , فلما ألحت عليه و هو لا يجيبها قالت له : آلله أمرك بهذا ؟ ، قال : نعم ، قالت : فإذن لا يضيعنا .
ما هذا التوكل ؟! امرأه ضعيفه و طفل رضيع فى صحراء جرداء مقفره لا ماء فيها و لا زرع و لا بشر و رغم ذلك إيمان و يقين و صبر و رضا و ثقه و حسن ظن بالله كلها جاءت من توكلها على الحى الذى لا يموت .
و لم تتواكل السيده هاجر و لم تجلس لتبكى و تكتفى بالدعاء , و لكن حين نفذ الماء الذى كان معها فى السقاء , و أخذ وليدها يتلوى من الجوع و العطش ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها ، فقامت عليه ثم استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدا" ؟ ، فلم ترى أحدا" ، فهبطت من الصفا ، حتى إذا بلغت بطن الوادى رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعى الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم أتت المروه فقامت عليها و نظرت هل ترى أحدا"؟ ، فلم ترى أحدا" ، ففعلت ذلك سبع مرات . فلما أشرفت على المروه سمعت صوتا" ، فإذا هى بالملك عند موضع زمزم ، فبحث الملك بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه و تغرف من الماء فى سقائها و هو يفور بعدما تغرف .
إذا كنا لا نستطيع التوكل على الله ، فلنقرأ قصة سيدنا إبراهيم حين حطم أصنام قومه و جاءوا به ، قال تعالى:(
قالوا ابنوا له بنيانا" فألقوه فى الجحيم ، فأرادوا به كيدا" فجعلناهم الأسفلين ) ، (
قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين ، قلنا يا نار كونى بردا" و سلاما" على إبراهيم ، و أرادوا به كيدا" فجعلناهم الأخسرين ) ، فماذا فعل سيدنا إبراهيم و هم يقيدونه و يكتفونه و يقدوا له النار قال :(
لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين ، لك الحمد ، و لك الملك لا شريك لك ) ، و قال حين ألقوه :(
حسبنا الله و نعم الوكيل )
و هذا سيدنا يعقوب حين جاءوه أبنائه فقالوا :(
قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق و تركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب و ما أنت بمؤمن لنا و لو كنا صادقين ) ، فقال لهم : (
و جاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا" فصبر جميل و الله المستعان على ما تصفون ) ، و حين أصبح يوسف عزيز مصر و جاء عام القحط و ذهب إليه إخوته وهم لا يعرفونه فطلب منهم أن يأتوا بأخ أصغر لهم :(
فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل و إنا له آمنكم عليه كما آمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا" و هو أرحم الراحمين ) ، (
قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا" من الله لتأتننى به إلا أن يحاط بكم فلما أتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل ، و قال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد و ادخلوا من أبواب متفرقه و ما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت و عليه فليتوكل المتوكلون ) ، فلما ذهبوا به إلى يوسف و أخذه رجعوا إلى أبيهم فقال :(
قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا" فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا" إنه هو العليم الحكيم ، و تولى عنهم و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ، قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا" أو تكون من الهالكين ، قال إنما أشكو بثى و حزنى إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون ، يا بنى اذهبوا و تحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ).
و ها هو سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد (صلى الله عليه و سلم ) فى هجرته من مكه إلى المدينه و أبو بكر ، رجلان لا يملكان غير راحلتهما و التوكل على الله و خلفهم قبيله من المشركين قال تعالى :(
و إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) ، و دخلا الغار و انتشر المشركون فى كل مكان حتى وصلوا إلى غار ثور ، و سمع الرسول و صاحبه أقدام المشركين تخفق من حولهم فأخذ الروع أبا بكر و همس يحدث النبى (صلى الله عليه و سلم ) : (
لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ) فأجابه عليه السلام : (
يا أبا. بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟)