المقدمة
للشاعر محمود صبحة
"الفردوس المنشود" محاولة شعرية , تضع قارئها في جو شعري و تحمل اليه نسمات الحالة الشعرية. و حسب شعرنا العصري أن يمتلك من الشعر كل ذلك .لان الشعر في جوهره ابتكار و قد غفل الشعراء و النقاد عن هذه الصيحة القديمة التي بعثها أرسطو في كتابه "فن الشعر". و حسبو هؤلاء و أولئك أن المحاكيات الشكلية و المضمونية لآثار الغير , قديما و حديثا , حسبوا ذلك الشعر … و ما هو عندي بشعر.
قد يطالبنا أحدهم بمثل النماذج الغربية التي خلقتها ظروف لا تمت الى ظروفنا بصلة . فقد نخضع فنقطع ذلك السبب الموصول بظروفنا و نفوسنا لنصل بظروف الغير و أحواله فنكون:
كتاركة بيضها في العراء و ملبسة بيض أخرى جناحا
"فردوسك المنشود" يجدد شوقي للدعوة المخلصة ...أيها الاخوان لنكن أنفسنا. ففيها ما يغنينا عن هذا التشبه القاتل بالغير.
هذا لا لأنه ترجم لكبار الشعراء الانكليز و لا لأنه ضاها بأوزانه و عباراته كبار شعرائنا القدامى...و انما قدرته على اثارة شوقي نابعة من المنابع الذاتية فيه , و ان جاء بغير قصد منك.فاذا بها كل القصد عندي.
قيمة الفردوس المنشود بهذا الهاجس الانساني فيه , و لو جاء قلقا و حائرا و خجولا , تزيفه العبارة ... رغم كل ذلك استطاع هذا الهاجس أن يحضر الحالة الشعرية على ثلاثة مستويات:
1_المستوى الفردي:و فيه الشوق الى الوصال , و أجمل ما فيه الحب الذي ينفخ نايه الخالد بدمك . بورك هذا العزف . هذا الهجس منبع شعري , فتنصت اليه و انس جسر لندن و لا تنس جسور الأردن .
2_المستوى القومي:و فيه الشوق الى الثأر , الثأر من الأعداء حيث كانو , في نفوسنا , في أرضنا , خارج مفوسنا و خارج أرضنا:
و كم أنفقت في اللهو و القصف و الخنا
ملايين لو كانت الى الحرب تذخر
يعيش بنا الحقد الدفين ذخيرة
و نهتف من أعماقنا: سوف نثأر
لا بأس بهذه "السوف" لو كان لها رصيد غير الجراءة على الطيوف. بلسان من تتحدث ؟ انه كلام , تجارتنا جميعا , الثائرون ينفذون كالفدائيين , اذا كان لا بد من الكلام وصفوا ما فعلوا... الكلام طاقات تهدر كالملايين المهدورة , ليتنا ندرك معنا الادخار على مختلف الصعد النفسية و المادية.
3_المستوى الانساني:و فيه الشوق الى سلام الأخوة الانسانية ,حب البشرية دين لا يعلى عليه , و يكفي الانسان ما يلاقيه من نكد الدنيا و أهوال الفناء. ما أجهل الناس يساعدون الدهر على أنفسهم كما في شكوى المتنبي التي تعاد هنا في قصيدة "الحق المهدور":
و لأنت أخي
و شقيقي في الانسانية
ما بالك تمعن في قهري
و تنمي طاقات الشر
أو لم يكف نكد الدنيا
أو ليس لنا في السلم غنى؟!
هذه أماني "الفردوس المنشود" , المحبة و الحرية و الانسانية . و انها مثل تنشد ما يعشقها غير شاعر.
العشق عذاب . و العشاق الصادقون لا يتراجعون حتى يبلغو ما ينشدون أو يسقطون شهداء في رحلة الحب الطامح.
طموح الشوق يا أخي ,زاد المجاهدين . لا ترضى بالجراءة على لبطيوف.
جراءة المواجهة هي التي تبلغنا الفردوس المنشود و الاّ بقينا ضائعين نتخيل "الفردوس المفقود".
مقدمة ديوان "الفردوس المنشود" للشاعر "محمود صبحة".
.1.