القدوة الصالحة من سير الصحابيات المؤمنات معين لا ينضب وقصص لا تمل، ما أن تقرأ إحداها إلا تجد في حياتهن دروسًا وعبرًا، ومواقف وفوائد لا يكل المرء من كثرة تردادها بل وكلما قرأها أو سمعها خرج بفائدة جديدة. كيف لا وهن في رياض النبوة رتعن من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم تعلمن وتربين.
مع صحابية رائدة منهن سنقف في محطات من أمومتها لنرى كيف ربى ذلك الجيل ناشئته وكيف علم أبناءه. ونتعرف على الأمهات لنعرف كيف يغدو في تربيتهن الأبناء. هذه أم مباركة وهي ليست أماً فحسب بل لقد جمعت صفات أمهات شتى فهي الأم المربية والأم المعلمة والأم القدوة والأم الحنون الموجهة الصابرة فأي هؤلاء الأمهات أنتِ؟صحابيتنا هي أم سليم بنت ملحان الأنصارية وقد اشتهرت بكنيتها وقيل اسمها الرميصاء أو الغميصاء. شهد لها رسول الله صلى اله عليه وسلم بالجنة فقال:" دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك". رواه مسلم.لقد نجحت رضي الله عنها كزوجة وكأم وكأخت وكامرأة اثبتت لها مكانة في التاريخ بين سير الخالدات سنقف في محطات من أمومتها يرويها لنا ابنها خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله عنه.
الأم المربية
تولت أم سليم رضي الله عنها تربية ابنها أنس وجعلت تلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فعلقها وهو صغير وأسم لله رب العالمين. وهذه هي نقطة البداية للتنشئة والتربية: البدء بالعقيدة وغرس الإيمان بلا إله إلا الله في قلب الصغير ويكون أول ما يقرع سمعه معرفة الله سبحانه وتوحيده.
حتى إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم سارعت في إدخال ابنها مدرسة النبوة، ففي الصحيح عن أنس أن أم سليم لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله هذا أنس يخدمك وكان حينئذ ابن عشر سنين، فخدم النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة حتى مات. فلله درها من أم أحسنت تربية ابنها حين أحسنت اختيار من تجعله يلازم ويصاحب. ففي حضور الطفل مجالس الكبار يتعلم الأدب والوقار فينمو عقله وتتهذب نفسه وينطلق لسانه ويتعرف على أحاديث فيتهيأ لدخول المجتمع وأعلى منه مرتبة أن يتعود الطفل مجالسة العلماء واحترامهم وخفض الجناح لهم والمسارعة في خدمتهم فهذا أقوى أسلوب لإكساب الطفل معاني الأدب وتعلم العلم وهذا كان حال سلفنا الصالح مع أبنائهم. وفي اصطحاب الصغار لمجالس الكبار ربط بين فئات المجتمع وهذا لا يتم حين يصد الصغار عن مجالسة الكبار برغم حاجتهم للجلوس معهم حيث يحدثونهم ويوجهونهم وينقلون إليهم أخبار السابقين ومآثرهم.
وفي فعلها رضي الله عنها حسن اختيار المدرس الصالح للطفل لولع الطفل الشديد بالمعلم لأنه هو المرآة التي يراها فتتطبع نفسه وعقله فيحفظ عمله وعلمه ويتأثر بهما. فهذا أنس رضي الله عنه يروي لنا أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وخلقه وعبادته أحاديث كثيرة وكان حريصًا على متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره والتمسك بسنته صلى الله عليه وسلم. ويمر على صبيان فيسلم عليهم ويقول:" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على صبيان فسلم عليهم". رواه الترميذي.
الأم الموجهة
قال أنس رضي الله تعالى عنه: "أتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر. قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أحدًا. رواه مسلم والبخاري مختصرًا.
هكذا يكون التوجيه والتربية على مكارم الأخلاق فالطفل منذ صغره يحتاج إلى أن يعود الخير ويعلم الخلق الحسن حتى يعتاد عليه ففترة الطفولة تتميز بالفطرة السليمة وسرعة التلقي والاستجابة وما حفر فيها يصعب بعد ذلك نسيانه أو تغيره، يقول ابن القيم في أحكام المولود: ومما يحتاج إليه الطفل الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق صفات راسخة له.وهكذا تفعل الأم الصالحة، تستغل جميع المواقف والوسائل المتاحة لغرس الأخلاق الفاضلة في نفس طفلها فإن للنفس لحظات تكون مهيئة فيها للتلقي فلنحسن إختيار هذه اللحظات.
فلسطينيو 48