الاخوان المسلمون

د. عصام العريان







لم أشأ أن أشارك فى هذا الصخب الإعلامى الذى جرى حول "الإخوان المسلمين" لأسباب أعلنتها فى وقتها لكل من اتصل بى من الأصدقاء والصحفيين الذين تفهم معظمهم موقفى وألحّ على القليل منهم ليأخذ تعليقا مقتضبا أو كلمات سريعة ، ذلك رغم إدراكى بأهمية الإعلام وصداقتى للكثير من الإعلاميين والصحفيين .

وفى الحقيقة أثبتت هذه الحملة الإعلامية عدة حقائق نلمسها جميعا منذ فترة طويلة وفى مقدمتها:

• حالة الفراغ التى تشهدها الساحة الإعلامية .

• أهمية الإخوان المسلمين التى يحاول البعض أن يقلل منها .

• وجود من ينفخ فى قضايا ليحقق بها أهدافا ما ويقلل من أهمية قضايا أخرى أكثر إلحاحا ليطمس الحقائق حولها .

وقد يظن البعض أن الإخوان المسلمين قد خسروا بسبب تلك الضجة الإعلامية ، ولكن فى حساب المكسب والخسائر سنجد أن كفة المكاسب أكبر وأثقل .

لقد تغلب الحب والأخوة داخل الإخوان على منطق التنافس الدنيوى والسعى إلى المناصب والمواقع الذى تعود عليه المراقبون فى اماكن كثيرة.

واكتسبت إرادة الإصلاح والتجديد والاجتهاد داخل الإخوان دفعة قوية من روح الشباب والرجال والشيوخ الذين وإن جانبهم الصواب فى التعبير عن آرائهم أو مواقفهم إلا أن صوتهم وصل إلى مسامع الجميع .

ورغم ما حاول البعض النيل من هيبة ومكانة المرشد العام الأستاذ محمد مهدى عاكف إلا أن الرجل فى نهاية الأمر قد أثبت للجميع أنه لا يسعى إلى البقاء فى موقعه إلى آخر نفس يتردد أو نبض يتدفق وأنه كان عند كلمته التى أعلنها منذ توليه موقع المرشد العام عندما قال : إنه لن يجدد ولاية ثانية ، وظهر بوضوح للجميع أنه لا يفرض رأيه بقوة منصبه على الآخرين ولو كان تفسيره للوائح واردا وسليما من وجهة نظره وفى هذا لو يعلم الجميع وفى مقدمتهم الاخوان انفسهم درس لو يعلمون بليغ ، وأنه ليس إلها أو نصف إله ، كما يفعل آخرون فى أحزاب أخرى وقوى سياسية أخرى لا تفتأ تتهم الإخوان بأنها ظلامية ومستبدة , ... و .... إلخ.

وفى هذا الموقف العظيم للمرشد العام – لو يعلم الإخوان أنفسهم – درس كبير ومنعطف تاريخى ، رغم أنه سبق للإخوان أن اختلفوا مع مرشدهم فى حياة البنا وحياة الهضيبى الأب وعمر التلمسانى رحمه الله ، إلا أن الاختلاف هذه المرة خرج إلى العلن وتابعه الجميع حتى على شاشات التلفزيون .

وأثبتت الأحداث أهمية اللوائح وضرورة الالتزام بها مع الحاجة إلى إدراك أن روح الأخوة والمحبة أهم من النصوص الجامدة وأن مراعاة أهمية تداعيات الأمور يجب أن يُحسب حسابه وأن العبرة فى نهاية الأمور ليست بالنصوص فقط ، لأن التطبيق يظهر أحيانا فشل اللوائح فى حل المشكلات ولذلك يتم تفسيرها بطرق مختلفة وأحيانا يتم إدخال تعديلات وتغييرات عليها بعد فترات من التطبيق .

لقد راهن البعض من المتربصين بالإخوان ، وتخوف البعض من أصدقاء وأبناء الإخوان ، وذهب البعض من المراقبين والمحللين إلى حدوث تصدعات وانشقاقات وشروخ فى الجسد الإخوانى ، خاصة أن الخلاف فى قمة الهرم التنظيمى وأثبت الإخوان عقم تلك التحليلات أو التمنيات أو المخاوف ، والسبب فى ذلك يعود إلى عدة أمور :

أولا : أن الإخوان ليست مجرد حزب سياسى أو قوة سياسية بل هى أكبر من ذلك فهى دعوة وفكرة ورسالة ربانية .

والثانى : أنه ليس هناك فى الأصل مغانم يختلف ويتعارك عليها الإخوان ، بل هى تضحيات مستمرة وضريبة يدفعها أعلى الهرم التنظيمى كما يدفعها الشباب .

والثالث : يعود إلى السياسة الأمنية الباطشة التى تزيد من لحمة التضامن من بين الإخوان وتعلى من روح الأخوة والمحبة .

أما فيما يخصنى شخصيا ، وإن كنت لا أحب الحديث عنه ولا أريد أن أتطرق إليه لولا الحاجة الملحة وإلحاح الإخوان والأصدقاء .

فيعلم الله أننى ارتبطت بالإخوان منذ أكثر من ثلاثين عاما كفكرة ودعوة ومنهج للإصلاح والتغيير وفق رؤية إسلامية معتدلة تريد الخير للناس والوطن والإنسانية كلها وتعمل على نهضة الأمة الإسلامية وإحياء مجدها وإعلاء كلمة الله فى الأرض .

ويعلم الله أننى كنت وأسأل الله أن أظل كذلك لا أسعى إلى موقع أو منصب أو مكانة وأجاهد نفسى كثيرا كى لا أعلن رغبتى فى ترك أى موقع يوكل إلى كى لا يساء تفسير ذلك ولأننى أدرك أن اختيار إخوانى لى هو تكليف وأن الله إذا أراد بى شيئا فهو الأوفق لى ، واختياره أفضل من اختيارى وتسليمى له برضا هو عين العبودية لله .

ويعلم الله أننى أعتبر حب إخوانى والناس لى هو علامة على حبه سبحانه وتعالى ودليل على رضاه عنى وقبوله منى وأنى التزم بما قاله أبو العباس المرسى رحمه الله ورضى عنه "من أراد الظهور فهو عبد الظهور ، ومن أراد الخفاء فهو عبد الخفاء ، أما عبدالله حقا فهو من من إذا شاء الله أظهره ، وإذا شاء أخفاه لا يختار لنفسه ظهورا ولا خفاءً" لذلك أجتهد وسعى فى إرضائه سبحانه وكسب رضاه لا رضا أحد من خلقه مهما كان ذلك المخلوق .

أما المواقع التنظيمية والهياكل الإدارية فإنما جعلت لخدمة الرسالة والفكرة والدعوة وهى لا تعطى أحدا يشغلها مكانة لا يستحقها فى نظر إخوانه أو الناس ، ورحم الله الإمام البنا الذى بيّن أن الإخوان أنواع منهم من آمن بسمو الدعوة وقدسية الفكرة ، وعزموا على الصدق مع الله فيعيشوا بها أو يموتوا فى سبيلها ، وأما غيرهم فهم يتمسكون بالدروس والمحاضرات والمظاهر والإداريات .

وفى حديث ضاحك مع صديق ناصرى قلت له : أنتم السابقون وإنا إن شاء الله ليس بكم لاحقون ولا تتعجل الشماتة فلن نعطيكم فرصة للشماتة ، فضحك وقال : لسنا كذلك وتمنى لنا التوفيق والسداد.

وكلمتى لبعض إخوانى الغاضبين أنصحهم فيها أن يكون غضبهم دوما لله تعالى أولا وآخرا ، وألا يرتبطوا فى مسيرتهم الدعوية ولا الحياتية بأشخاص ، فالبشر لا تؤمن عليهم الفتنة ، وأن يرتبطوا بالمبادئ والقيم والمثل والأفكار فهى الباقية الدائمة ، وألا ينجرفوا فى غضبهم والتعبير عنه إلى ما لا يليق بالمسلم فضلا عن الأخ الذى ارتبط بدعوة الإخوان ويجاهد نفسه على الوفاء بمتطلباتها ، وأن يظلوا أوفياء لهذه الدعوة يقولون الحق ولا يخشون لومة لائم وينصحون لقادتهم فى أدب وحكمة ويجهرون برأيهم دون تلجلج أو خوف ويعملون من أجل التجديد والاجتهاد والابتكار فى سبيل رفعة هذه الدعوة ويبدأون بأنفسهم فى الإصلاح والتغيير فيكونون قدوة لغيرهم على طريق الدعوة فى النجاح والتوفيق كجنود فكرة وعقيدة وليسوا مجرد أعضاء فى جماعة أو تنظيم .

ستبقى الإخوان شجرة سامقة فروعها فى السماء وجذورها فى أرض ثابتة تؤتى ثمارها كل حين بإذن ربها ، لا يضرها صخب الرياح من حولها ، تنفى عنها خبثها مع المحن والأزمات ، وترتوى بماء المحبة والأخوة الصادقة كما ارتوت من قبل بدماء الشهداء الأبرار ، تعمل على تقديم الإسلام الناصع للناس جميعا فى وسطية واعتدال من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير وبناء نهضة شاملة لمصر والعرب والمسلمين والإنسانية جمعاء فى مصالحة موعودة بين الدين والدنيا ، الأصالة والمعاصرة ، الموروث و الوافد ، تمد يدها إلى الجميع من أجل الصالح العام ولتحقيق الأمن والاستقرار لكل المصريين .