علمت 'القدس العربي' من مصدر فلسطيني حسن الاطلاع، طلب عدم الكشف عن اسمه، انّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عبّاس، كان قد اصدر اوامره الى مندوب السلطة في مركز حقوق الانسان في جنيف، ابراهيم خريشة، في الليلة التي سبقت تأجيل النظر في تقرير القاضي الجنوب افريقي، ريتشارد غولدستون، الذي ادان الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ترتقي الى جرائم ضد الانسانية سحب التقرير، الا انّ السفير الفلسطيني، وبسبب خشيته من ان يتحول الى كبش الفداء، طلب من الرئاسة الفلسطينية الحصول على رسالة موقعة من الرئيس.
واضاف المصدر، وهو خبير قانوني، يعمل في مجال حقوق الانسان في فلسطين، ولا ينتمي الى حركة سياسية معينة في الشارع الفلسطيني، انّه في ساعات الصباح الباكر من يوم الجمعة، يوم نقاش التقرير، وبعد ان قامت الصحف الاسرائيلية بنشر الخبر بالبنط العريض بأنّ السلطة الفلسطينية رضخت للضغوط ووافقت على تأجيل التصويت، ذُهلت الرئاسة الفلسطينية من رد الفعل وعليه، وقامت فورا ولاحتواء الموضوع بالتوجه مرّة اخرى للسفير الفلسطيني خريشة وطلبت منه ان يُبلغ مجلس حقوق الانسان بانّ السلطة الفلسطينية تطلب تأجيل النقاش في التقرير الى جلسة آذار (مارس) المقبل، وهذا ما كان. واوضح المصدر عينه انّ السفير الفلسطيني وفق الاعراف الدبلوماسية لا يمكنه ان يتصرف كما يحلو له، فهو تابع لوزارة الخارجية الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني، وبالتالي فانّه لا يستطيع اتخاذ القرارات، انّما العمل وفق الاوامر من السلطة ورئيسها عبّاس، على حد قوله.
على صلة بما سلف، قالت المحامية فاطمة عجو التي شاركت في بعثة مركز 'عدالة'، للصحافي حسن عبد الحليم من موقع عرب 48 انّ الصدمة والذهول كانا باديين على وجوه ممثلي المنظمات الحقوقية يوم الجمعة، وعبّر الكثيرون على هامش المداولات عن استهجانهم لما حصل. ووصفت عجو الاجواء التي سادت في اروقة الاجتماعات بأنها مزيج من الاحباط والغضب. وحينما التقت عجو مع ممثلي البعثة الفلسطينية الرسمية لمست لديهم نوعا من الأسى: 'التعليمات وردت من مكتب الرئاسة' قالوا. واكدوا ذلك مرارا باستحياء وعدم رضا. لم يكن اي شك او التباس في فهم الامور لدى كافة المشاركين: الفلسطينيون هم من طلبوا التأجيل، تؤكد عجو. وتضيف: استمعت الى عدد من اعضاء البعثة الفلسطينية، ورأيت تعابير وجوههم التي تدل على عدم رضاهم عن التعليمات التي وصلتهم، وكان قسم منهم يتحدث باستهجان واستياء. وتابعت: لم يكن ادنى شك لدى اي من المشاركين بأن التأجيل جاء بطلب فلسطيني. كان واضحا للجميع ولم يكن هناك مجال للالتباس. وما الادعاءات الاخيرة التي يسوقها عدد من المتحدثين الفلسطينيين سوى محاولات يائسة لعرض الامور على غير حقيقتها. لقد سمعت من ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية بوضوح لا يقبل التأويل: التعليمات جاءت من مكتب الرئاسة، وتكررت هذه الجملة على اكثر من لسان وبلهجات تتفاوت فيها درجات الأسى والاستياء. كما اكدت المحامية في سياق حديثها على انّ كل جهودنا ذهبت سدى، وقال احد ممثلي احدى المنظمات الدولية على مسمع عجو: لن نكون فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين.
وتابعت المحامية الفلسطينية قائلة انّه تردد الحديث في اروقة المجلس عن ضغوط امريكية. وكان الموقف الامريكي قد عبّر عنه مبعوث الولايات المتحدة ويتلخص بأن تبني نتائج تقرير لجنة غولدستون يمس في عملية السلام التي تبذل الادارة الامريكية جهودا لاطلاقها. وبانه ينبغي التطلع الى المستقبل، والماضي يجب ان لا يكون عقبة. وزادت المحامية عجو قائلةً انّه كان يمكن ان ننجح لاول مرة بادانة اسرائيل بارتكاب جرائم حرب. وهي ترتكب مثل هذه الجرائم منذ عقود، منذ ان فقد الفلسطيني وطنه، وما زالت ماضية في ذلك دون حسيب او رقيب. كانت الفرصة متاحة وضيعناها، بل ضيعتها السلطة الفلسطينية. وخلصت الى القول: كان يمكن ان نحقق انجازا، قد تكون له تداعيات مستقبلية، ولكن للاسف، ما حصل هو خيانة للضحايا ودمائهم، تنكر للشهداء وللمصابين وللثكالى، باختصار ما حصل اكبر من ان يستوعب، على حد وصفها.
القدس العربي
8/10/2009