السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله ثم الحمد لله , الحمد لله على كل نعمة أنعمها علينا , و الحمد
لله على نعمة تعد من أعظم نعم الله تعالى على بني آدم , ألا و هي نعمة
العقل , العقل الذي ميزنا به عن سائر مخلوقاته , والصلاة و السلام على
سيدنا و حبيبنا و شفيعنا محمد و على آله و صحبه و التابعين له بإحسان الى
يوم الدين .. و أشهد أن لا اله الا الله و أن محمدا رسول الله ..
و تبارك المولى عز و جل الذي جمعنا بكرامة الاسلام في هذا الصرح العظيم النافع للأمة والمسلمين ...
بداية أخوتي بالله , نبتدئ بتعريف بسيط للعقل البشري :-
فهو القوة المدركة للحقائق و هو الأداة التي تصل بالإنسان الى مراحل
متقدمة من التفكيرو الابداع في شتى العلوم و المعارف , و هو أساس التكليف
, و به يتمكن من أعمار الكون , قال الله تعالى : ( و الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون ) ...... النحل – 78- ......
و نبتدئ بعون الله بشرح النقاط التالية , و على أمل الرضى من الله و التوفيق منه تعالى نمضي أخوتي بالدعوة في سبيل الله ..
أولا :: منزلة العقل في الاسلام :
لقد اهتم الاسلام بالعقل الانساني , و جعل له أهمية عظيمة , و حمله
مسؤولية فهم الاسلام , و الالتزام بتطبيقه , و تظهر أهمية العقل من خلال
استعراض المهام و الوظائف التي أسندت اليه و التي منها :
1- التأمل في ملكوت الله تعالى و التفكر في قدرته و النظر للتعرف على
وجود الخالق جلّ جلاله , و قد ورد في ذلك النصوص القرآنية والأحاديث
النبوية الشريفة مثل قوله تعالى : ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها و آذان يسمعون بها فإنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور ) ....... الحج – 67-
....... , و لم يكتف الاسلام بالحث على التأمل و التفكر فحسب , بل ذهب الى
أبعد من هذا حين جعل التفكر في الكون عبادة , و جعل التقصير في التفكر
معصية , ذلك بأن فيه تعطيلا للعقل عن القيام بدوره ووظيفته , فقد ورد عن
رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه تلا مرة قوله تعالى : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ... ) آل عمران – 190- إلى قوله تعالى : ( .... سبحانك فقنا عذاب النار ) قال : لقد أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها و لم يتفكر فيها .. (صحيح ابن حبان , كتاب الرقائق , باب التوبة ) .
2- حمل الإسلام الانسان مسؤولية إعمار هذا الكون , ومنحه العقل ليديره به و يستغل ما فيه , قال الله تعالى : ( هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها ) .....هود – 61- .... , وأناط به فهم الشريعة , و تطبيقها , و الاجتهاد في الأحكام الشرعية من أدلتها لحل المشكلات التي تواجه البشرية .
ثانيا :: حاجة العقل إلى الوحي :
قد يصل العقل في استكشافه الى نتائج محسوسة و ملموسة , و خاصة في ما يتعلق
بالأمور التي تقع تحت بصره و سمعه , غير أن بعض الحقائق , و خاصة فيما
يتعلق بالأمور الغيبية , لا يمكن للعقل وحده أن يتوصل إليها , لقصوره عن
إدراكها و قصور حواس الإنسان عن الوصول إليها , فلا بد له من الاعتماد على
الأخبار الصادقة , و ذلك لا يكون الا بالإعتماد على الوحي الالهي و ما جاء
به .
ثالثا :: العقل يدرك حقائق العقيدة :
العقيدة الاسلامية مجموعة حقائق هي في أغلبها غير خاضعة للحواس , لذا
لقد سهل الله تعالى على العقل مهمة فهم حقائق العقيدة و إدراكها , و أوجب
عليه فهمها و من ذلك :
1- إدراك حقيقة وجود الخالق جل جلاله :
يستطيع الانسان بالعقل بأن يدرك بأن لهذا الكون موجِِدْ (خالق ) و أنه
قديم باق واحد لا يشبه شيئا من خلقه , و قد أثبت علماء التوحيد هذه الصفات
لله تعالى عقلا , و يدرك العقل هذه الحقيقة و يفهمها عن طريق التدبر و
التفكر في هذا الكون , و ما فيه من صنع متقن ونظام محكم بديع , و اتساق و
تناغم و توافق عجيب , قال الله تعالى : (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ) ..... الملك -3- .....
, فيدرك العقل أن الإتقان و الإحكام و الاتساق و هذا الكون يدفع الى
الإيمان بوجود إله خالق متصف بصفات الكمال , منزه عن المشابهة لأحد من
خلقه , قال الله تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ) ..... القمر -35-36-......
و التفكير في هذا الكون باستخدام العقل يطلع الانسان على البراهين القاطعة
, و الأدلة المثبتة على صدق العقيدة , بكل أركانها : قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ) .....العنكبوت -20-......
2- إدراك حقائق القرآن :
يدرك العقل أن القرآن الكريم من عند الله تعالى , فهو كلام محكم لا اختلاف فيه و لا تناقض , قال الله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ..... النساء -82-
..... , و هو المعجزة الخالدة عجز البشر جميعا عن الإتيان بمثله , فهو
معجزة بألفاظه , و معانيه و تشريعاته , و في إخباره عن حقائق علمية كثيرة
يكتشفها الإنسان يوما بعد يوم .
3- الإيمان باليوم الآخر :
فقدر حرص القرآن الكريم , الذي ثبت لدى العقل الإنساني أنه من عند الله
تعالى , على تعميق الإيمان باليوم الآخر بجملة من الأدلة العقلية :
أ- فما يشاهده الإنسان و يراه في حياته
من قدرة الله تعالى على الخلق و الإحياء , ففي كل لحظة يولد مولود و يموت
آخر , فالقادر على الخلق قادر على الإماتة , و قادر على جمع الناس يوم
القيامة , قال تعالى عز و جل بمحكم تنزيله :
( و من آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت إن الذي أحياها لمُحي الموتى إنه على كل شيء قدير ) .... فصلت -39- .... , و الذي قدر على خلق السماوات و الأرض , و ما فيهما من مخلوقات عظيمة , قادر على خلق ما دونهما , قال تعالى بمحكم تنزيله : ( أوليس الذي خلق السماوات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى و هو الخلاق العليم ) .... يس-81- .... .
ب- كذلك يوقن العقل أن اليوم الآخر يظهر
فيه عدل الله تعالى , فإذا كانت الدنيا فيها الظالم و المظلوم , والمُحسن
و المُسيء , فالعقل يؤمن أنه مما لا يتفق مع عدل الله تعالى الخالق ورحمته
أن تنتهي الحياة و يظل الظالم ظالما , و المظلوم مظلوما , مصداقا لقول
الله تعالى في محكم تنزيله : ( أم حسبت الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا و عملوا الصالحات سواءا محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .... الجاثية -21- .... .
و هكذا جميع حقائق العقيدة يجد العقل براهين ساطعة , شاهدة على صدق ما
جاءت به , و صدق الله تعالى إذ يقول في محكم تنزيله : ( سنريهم آياتنا في
الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء
شهيد ) .... فصلت-53- .... .
و تم بحمد الله
و لا تنسو العبد الفقير الذليل لله من دعائكم أخوتي بالله
أخوكم بالله : أبو هريرة