الفساد

اصل بعث الرسل من الله تعالى هو هداية الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده ونبذ الشركاء والاوثان .. والطواغيت من دونه ! قال تعالى : «إنا ارسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم ، كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ، فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً » من سورة المزمل .

ومعجزة المرسلين الخالدة بينهم تكاد تتجلى في تخليد ذكرهم بين الأمم على تعاقب الأزمان والأجيال .. وتقديس رسالتهم .. وتعظيم أمرهم وكل رسول منهم آتاه الله أجره في الدنيا « وإنه في الآخرة لمن الصالحين » ! .

والرسل صلوات الله عليهم مصلحون وقادة حاربوا الفساد بأنواعه لإدراكهم جميعاً ـ عليهم السلام ـ أن الفساد لا يبقي من ثمار الخيرات ولا يذر ! فكانت الرشوة والربا وغبن المعاملات والمظالم والاحتكار والتطفيف مما نعاه الله على الأمم في البر والبحر بما كسبت أيديهم ! وللإسلام في هذا الباب نصيب وافر وحظ عظيم من مكافحة أدوى الأدواء (( الفساد )) وقد وصف الله رأساً من طواغيت الكفر بقوله فيه من القرآن : (( انه كان من المفسدين )) وهو فرعون الخاسر المبين ! .

الفساد تلك الأفعى الخبيثة المترامية .. تعشش في مفاصل الأمة .. وتنفث سمها زعافا في دماء الجيل وتلف جسدها الخبيث حول الأعناق المشرئبة إلى العلياء .. فلا يبقى معه ضمير يدب بين الناس .. ولا عقل يصلح للتنوير .. ولا دعوة للإصلاح .. ولا علاج ولا حياة .. ولا نشور!! .

حياة الإسلام .. تشرق صفحات مضيئة من التاريخ ..

تتحسر على فواتها الضمائر .. وتتفطر من الحسرات عليها الأكباد كعهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ المثالي العظيم .. وعهد خليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .. ومن ثم عهد عمر بن عبدالعزيز وبعض الفترات المتناثرة على امتداد التاريخ .

والعكس صحيح كذلك : فمع هذا الداء وعلى قدر نفوذه تخيم القتامة والدمار على امتداد المسيرة وتشقى الأجيال في براثن التعاسة والبؤس واللعنة .. فلا ينهض لها في الحق ناهض إلا أن يشاء الله .

ومن هنا ضمن الإسلام منهاجه الإصلاحي مبادئ العدالة وأسسها .. ومتى اختل هذا الميزان ، فإن ذلك نذير الهلاك المريع . وأوصى الله بالعدل حتى مع الوالدين والأقربين وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : الظلم ظلمات يوم القيامة .. وجعل ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجنة جزاء لاصناف من الناس أولهم الإمام العادل !! .

وبذلك يتناقص الظلم ويتراجع الفساد وتقوم الحياة ! ولله رد القائل :

العدل روح به تحيا البلاد كما *** دمارها أبداً بالجور مقرون

والإسلام وهو يرسي مبادئ العدالة في مرافئ الضمائر والقيم لم يذرها نصوصاً صالحة للاستهلاك الدعائي الرخيص ! ولم يزايد بالعمل بها حيناً دون حين لكي يكتب التاريخ عنه انه عمل بها في وقت ما ، ولكنه جعلها قيمة حية . وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قرآناً يمشي بين الناس ، ترفع عن مظاهر الترف وبواطنه .. وعاش حياة بسيطة في العفة والقناعة والكفاف .. ولم تمنعه زعامته رعيته ـ بأبي هو وأمي ـ من مخالطة جميع قومه .. ولا حتى من تنحيه جانباً !

يسمع مجادلة امرأة بصوت خافت في روح ظاهرها ظلماً حتى خلد الله ذكرها وانزل فيها حكماً للعالمين .. ونزل عمر ـ رضي الله عنه ـ بعده بدهر عن دابته ليستقبل بحرارة هذه المرأة التي ذكرها الله في القرآن وهي تجادل عن زوجها سراً فأعلنه لما فيه من الخير ! .

وكانت أعظم الدروس والعبر ، ذلك الدرس الوافي في العدالة عندما سرقت امرأة من اشراف بني مخزوم .. وشفع القوم لديه .. وزجوا بأسامة بن زيد - رضي الله عنهما ـ وقال قوله الخالد: « والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها إنما اهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد » .

هذا الإعلان التاريخي العظيم بقدر ما يظهر فيه جلياً التمسك بالعدل حتى النهاية يكشف عن قانون الدمار الشامل للوجود السامي انه قانون معاقبة الضعيف وترك الشريف ..

وينجح الالتواء على العدالة ، وتنقلب موازين الجزاء ، ويشيع الخراب في الكون .. عندما تصبح دساتير الإصلاح نصوصاً تتلى وتحلى بها دواوين الدولة ، ولا يتم السعي لإعمالها في شتى ميادين الحياة ، ويصبح الفساد سلطانا ً: تخطئه الانقلابات، وتضل عنه أحكام القضاء ، عندما تفتقده السجون ، وتتميع قضاياه في أروقة التداول ، وتتنافس على حمايته شفاعة الشفعاء .. فلا ترى قوافل تحث سيرها نحو أجلها المضروب .

عندها .. حدث عن ضياع الحقوق ولا حرج !! وترقب نذر الشؤم ولا ملامة ، واستهزئ بالفضائل ولا كرامة ، وتباً لبلاطجة الفساد وخيبة وندامة ، ولا نامت أعين الجبناء الدافنين رؤوسهم في الرمال كالنعامة .

ما شاء الله ، تبارك الله

موضوع جداً جميل ، ما آل حال المسلمين الى ما نحن عليه الآن الا بعد ان

تركنا شريعتنا وديننا الحنيف وبحثنا في دساتسر الغرب عن وسائل للعداله

الزائفه والديمقراطية الخائبة واصبجنا كمن يلف بدائرة ويقول اين الزاوية

او كمن مولح الماء ويبحث عن بئر يشرب منه

جزاك الله كل الخير وجعل كل ما تكتب في موازين حسناتك

تققبل مروري ولك ودي