رسالة الى فقير
بســـــم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا , و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له , و ان محمدا عبده و رسوله ..
أما بعد :
أخي الفقير : لقد حزت بالفقر سبقا , و كسبت به شأوا , لو تأملت في ثواب الفقراء , و ما أعده الله الله لهم في جنان السماء !
فالفقر- أخي – بلاء , وسام تقلده أغلب الأنبياء , وورثه عامة العلماء , فطوبى لمن فقه في الحياة سره , و دفع بالحسنى ضره , و أظهر في الله صبره , فما هو أدب الفقر ؟ و هل فيه للمسلم من فضل ؟ و ما هي أسبابه ؟ و كيف دغفعه و ضرابه ؟
سأطرح أخوتي عن النقاط التالية في مراحل ثلاث
و أتمنى أن ينال الموضوع اعجاب الأحباب , و على أمل الرضى من الله نبدأ , و به نستعين .
أدب الفقر
أخوتي بالله ... ذكر النووي في رحمه الله في كتابه النافع : "
رياض الصالحين " بابا في الفقر , فسماه " فضل الفقر" , و قد علق بعض المحققين للكتاب على كلام النووي رحمه الله فقال : كيف يكون للفقر فضل و قد تعوذ نبي الله صلى الله عليه و سلم منه ؟!
لكنني تأملت في كلام النووي رحمه الله فوجدته أعمق بكثير من كلام المحقق , فهو رحمه الله لم يجهل تعوذ لرسول الله صلى الله عليه و سلم من الفقر , انما أراد بقوله : باب فضل الفقر – اثارة انتباه القارئ , الى ما يجهله عن ثواب هذا البلاء الذي شرع التعوذ منه , و كان رحمه الله يلفت الأنظار الى أدب الفقر , ذلك الأدب الذي يقوم على أمرين اثنين :
الأول : هو التعوذ بالله منه , و الإلحاح على الله جل و علا في سؤاله الغنى و العفاف , لعموم الأدلة الدالة على مشروعية الاستعاذة بالله من البلاء و لأن النبي صلى الله عليه و سلم قد تعوذ من الفقر و أمر بذلك فكان صلى الله عليه و سلم من استعاذاته : "
اللهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر , و أعوذ بك من عذاب القبر , لا اله الا أنت ." و كان صلى الله عليه و سلم يقول : " تعوذوا بالله من الفقر و القلة الذلة و أن تظلــم أو تظلم ". .....السلسلة الصحيحة 1445 .
و سيأتي الكلام على ذكر أسباب الفقر .
الثاني : هو الرضا بقضاء الله سبحانه اذا أصيب المسلم بفاقه أو نقص من مال , و التأدب بأدب الصبر و الرضا بقدر الله سبحانه , لأن الله جل علاه ما خلق الفقر الا تمحيصا و بلاء للعباد , و بين سبحانه و تعالى ذلك غاية البيان و التوضيح في القرآن فقال : (
و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله و إنا اله راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولائك هم المهتدون ).
أخي الكريم : فتأمل حكيف جعل الله جل و علا نقص المال من البلاء الذي يبتلي به عباده , و تأمل كيف نسب إحداث البلاء الى نفسه فقال: (
لنبلونكم ) مؤكدا ذلك على سبيل التحقيق , ثم تأمل أيضا كيف سمى نقص المال مصيبة !, و كيف بشر الصابرين على ما ابتلاهم به من فاقة و نقص , ثم كيف علمهم أدب الصبر من الاسترجاع , و كيف وعدهم بالرحمة و الفلاح !
أخي الفقير , أنت مستخلف في الأرض , تمنع عنك خيراتها حينا , ليظهر معدن إيمانك و يعرف اتجاه ميلانك , هل هو التسخط و الكفر , أم الى الرضى و الصبر , كما قال صلى الله عليه و سلم : "
إن الدنيا حلوة خضرة , و إن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون , فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ". .....رواه مسلم .....
تذكر أخي أن كل من على وجه الأرض مبتلى , الفقي بفقره , و الغني يغناه , و إذا كان نبي الله سبحانه و تعالى : سليمان قد قال حينما أكرمه الله بالملك : (
هذا فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر )..
فحري لكل فقير أن ينتبه لحاله , و يقول هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر , بل قد لفت رسول اللخ صلى الله عليه و سلم النظر الى الى أن فتنه الفقر أهون من قتنة الغنى فقال : " ما أخشى عليكم الفقر , و لكني أخشى عليكم التكاثر و ما أخشى عليكم الخطأ و لكني أخشى عليكم التعمد ". ...... السلسلة الصحيحة 2316
أخي الفقير : لا لا تحزن ففاقتك ذخر لك عند الله , ألم تسمع لرسول الله صلى الله عليه و سلم إذ قال : "
لو تعلمون ما لكم عن الله عز و جل لأحببتم لو أنكم تزدادون حاجة و فاقة ". .....السلسلة الصحيحة 2169
ادفعها بأدب الدعاء , و استثمرها بأدب الصبر و حسن الظن بالله , أنظر بعين قلبك الى قرب الله منك , تدبر علمه بأحوالك , و رؤيته لحالك و سمعه لأنينك , و معيته لك , ثم هاتفه بأعماق قلبك : لك الحمد ملئ السماوات و الأرض ملئ ما بينهما و ملئ ما شئت من شيء بعد , تحمل همزات من أقرانك , و غمزات من خلانك , و تسخط من أهلك , و ضجر من ولدك , و أرهم أدب العبودية , في عزة و تواضع , و تحمل و تناصح , و لسانك لهاج بالحمد على النعمة , و الصبر على النقمة .
أخي الفقير : لا تحزن , و اختزل هموم فقرك في أدبين : الاستعاذة منه و الصبر عليه .
أخوتي فقراء غزة , أنتم من صبرتم على الجوع و الألم , فكانت آيات الله تأتينا بنبأ المؤمنين أمثالكم , رغم الخوف و الجوع و النقص في الأموال و الأنفس و الثمرات صبرتم فهنيئا لكم , أنتم فقراء الدنيا بمال و أغنياؤها بإيمان , و أغنياء الآخرة بإذنه تعالى و إياكم في جنان الخلد .
رقم .1 يــــــــتــــــــبــــــــع أخوكم بالله : أبو هريرة