سادساً: ومن ألطاف الله عز وجل في هذه الأحداث قطع الطريق على الحلول الاستسلامية ومبادرات التطبيع مع اليهود والذي لو حصل لكانت الذلة والعار على الفلسطينين ومن وراءهم من المسلمين حيث يرضون ببيع فلسطين والإقرار للعدو باحتلالها كما أن في ذلك إخماد لجذوة الجهاد والمقاومة . ولكن هذه الأحداث قد قلبت الموازين ولم يبق لأحد عذر في الانخداع بالحلول الاستسلامية.
ولقد تخوف أحد الدعاة وحذر من أن تعود نغمة الحلول الاستسلامية والمفاوضات بعد أن تخمد نار المحرقة فقال وهو د. عبد العزيز كامل :
(فبعد أن تخمد نار المحرقة، نخشى أن يعود كل شيء إلى ما كان عليه ، من الركود والخمود عند فريق ، ومن الخيانة والجحود عند آخرين من المتاجرين بالقضية ، لأن مواقف التبعية ، ستظل هي الظل الذي يسير تحته المنتفعون ، والسقف الذي يتحرك تحته المنافقون، وستسمعون – أيها المسلمون – عن المتحدثين عن ضرورة الثبات على "الواقعية" السياسية ، وحتمية التعاطي مع النوايا السلمية، والمبادرات التاريخية التي لا حل بدونها ولا حد لنفعها، وستستثمر دماء الشهداء لأجل تسويغ الفصل الجديد من الاستسلام الجماعي بدعوى العجز الجماعي عن الوقوف بوجه اليهود.
وبعد أن تخمد نار المحرقة ، ستجدون (النظام الدولي) القائم على تقنين الظلم ، يجر أطرافاً جديدة إلى طاولة المفاوضات مع المعتدين علنياً ، كما يحصل بعد كل مصيبة تحل بالفلسطينيين ، وذلك بعد أن يعيد الأطراف القديمة إليها راغمة بالرغم من إفلاسها وظهور عوارها ، ولذلك علينا من الآن وضع الأجيال القادمة أمام حقيقة هذا النظام الدولي المتآمر منذ أكثر من ستين عاماً على أمتنا وحدها دون بقية "الأمم المتحدة" علينا
وبعد خمود نار المحرقة ، سيعود اللاعبون إلى اللعب بالشعوب العربية ، بدءاً بضرورة احترام مقررات الشرعية الدولية ، ومروراً بأهمية تفعيل نتائج القمم العربية، وانتهاءاً بحتمية احترام الاتفاقات الرسمية مع دولة الاحتلال الصهيونية ، وهنا لابد من توعية الشعوب بحصيلة الحصاد المر لهذه المقررات وتلك المؤتمرات والاتفاقات التي كان الواحد منها يكفي لنزع الشرعية عن المتورطين فيها والمتشبثين بها.
وبعد خمود تلك النار ، ستفتح شهية المنافقين والكفار والفجار لمزيد من الاتجار بدماء الشرفاء من الشهداء ، بالدعوة إلى "وحدة الصف الفلسطيني تخت قيادته "الشرعية" العلمانية ، التي تخضع حماس لبأس الأرعن عباس أو من يأتي بعده بضغوط دولية ، ووساطات عربية ، لا ترى لفلسطين مستقبلاً إلا تحت زعامة علمانية هزلية خائنة ، وهنا لا يقبل – حتى من حماس – أن يعاد تلميع رموز الخيانة ، بدعوى المصلحة القومية ، أو اللحمة الوطنية ، فكفى الأمة ما خدعت به عبر عقود طويلة من تقبيح الحسن ، وتحسين القبيح باسم "توحيد الصف" في الاتجاه المعاكس للدين) ا.هـ " عن موقع لواء الشريعة".
سابعاً: ولعل في هذه الأحداث رد على من كان متهالكاً على حوار الأديان وداعياً إليه زاعماً أنه باب إلى إحلال السلام والوئام بين بني البشرية وهاهم الذين يراد محاورتهم لا يعرفون إلا الذبح والدماء لأمة المسلمين لا يرحمون في ذلك طفلاً ولا شيخاً ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة فهل هذا هو المراد من الحوار ؟تباً له من حوار ، والحمد لله الذي أظهر فشله وسقوطه
ثامناً: ولعل في هذه الأحداث عبرة لمن يعول على العملية السياسية ويظن أنها طريق إلى التمكين وبناء الدولة الإسلامية وهل بعد ما فعله اليهود والحكام العرب من مؤامرات وضغوط لتركيع حماس من عذر في التهالك على السلطة والألاعيب السياسية؟
تاسعاً: ومن رحمة الله عز وجل ولطفه في هذه الأحداث أنها حركت العزائم وشحذت الهمم وألهبت حماس المسلمين لجهاد الكفرة المحتلين من اليهود والصليبيين في كل مكان وأثبتت للمسلمين عامة والمجاهدين خاصة أنه لا حل مع الغزاة والمعتدين إلا بالسيف والجهاد وأن الحديد لا يفله إلا الحديد وسيظهر من خلال هذه الأحداث وبعدها أن المجاهدين الصادقين هم طليعة الأمة وأشرافها. ولذلك تداعت عليهم الأمم في جنبات الأرض الأربعة ولم يكن المجاهدون في فلسطين وما حولها – ولن يكونوا – استثناءاً من هذه الطليعة فلسوف ينجلي أثر المعركة عن أن فيهم وفيمن يلتحق بهم الأمل – بعد الله – وقت التنكر للفداء والعطاء والعمل ، فلهؤلاء المدافعين عن بوابات وحرمات الأمة دعاؤنا بالتأييد على أرض فلسطين كما أيد الله المجاهدين في أرض الرافدين ، فالمعركة لازال في فصولها بقية على الأرضين ، ورجاؤنا أن يلتحم الفريقان ويلتقيا بعد عبور النهر محققين خبر الصادق المصدوق ( لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقي النهر وهم غربيه) رواه البيهقي في مجمع الزوائد وقال رجاله ثقات.
وليس على الله بعزيز أن يذل تحالف اليهود والمشركين والمنافقين في فلسطين ، كما أذل تحالف الأمريكان في العراق وتحالف الناتو في أفغانستان ، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }[ الحج:39-40]
وإن مثل هذه الأحداث لن تكون نتيجتها إن شاء الله تعالى إلا إخراج أجيال أصلب عوداً وأكثر عناداً وأطول نفساً وأكثر وعياً لحقيقة المعركة التي تدور في الأرض بين أولياء الله عز وجل وأعدائه.
عاشراً: إن المبتلى الأكبر في هذه الأحداث هم أهل الكفر والنفاق أما ابتلاء المؤمنين ففيه التمحيص وتمييز الصفوف واصطفاء الشهداء وفي هذا خير عظيم لهم أما الكفار المعتدون فهم مبتلون الآن بسنة الإملاء والاستدراج لهم مما يزيدهم كبراً وغطرسةً وحماقةً وغروراً حتى يأتي الموعد الذي أجله الله لمحقهم ، قال سبحانه {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [آل عمران: 178] وقال سبحانه {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }[الكهف: 59]
وفي الوقوف مع سنة الإملاء فوائد منها: عدم الخوف والاغترار بقوة العدو لأنهم في قبضة الله عز وجل ونواصيهم بيده وتركهم يظلمون ويقتلون هو إملاء من الله عز وجل ليسارعوا إلى ساعة محقهم لا ليدوم ظلمهم ولو شاء الله عز وجل لقصمهم في لمح البصر ولكن له سبحانه الحكمة في تأجيل القصم .. وهذا الإيمان يذهب اليأس عن النفوس ويزيل الإحباط والخوف ويحل محله العزة والثبات على الحق والتضحية في سبيله.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين واجعل لإخواننا في غزة من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية .. والحمد لله رب العالمين.
الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل